الحوكمة السیبرانیة هي الحل لإدارة البلد
بحسب تقریر من قسم العلاقات العامة و الإعلام في المجمع العلمی العالی للثقافه و الفكر الاسلامی نقلاً عن مراسل وكالة مهر للأنباء، كتب الدكتور إحسان كیانخواه، رئیس مركز أبحاث دراسات الفضاء الإفتراضي، في مذكرة قدمها إلی وكالة مهر: العالم علی وشك التغییر. تعمل تقنیات البناء السیبراني علی تغییر و تطوّر المواقف البشریة المعتادة. یتمّ إنشاء عالم أكبر بكثیر من العالم الذي اعتدنا علیه بعد هبوط النبي آدم علیه السلام. عالم یتجاوز الأشكال المادیة و الفیزیائیة و یحتوي علی أشكال افتراضیة یمكن التفاعل و التخاطب معها. الوجوه و الأشكال الإفتراضیة إما هي التوائم الرقمیة (( Digital Twin لشخص أو منزل أو مدینة أو مصنع و توفر الظروف الملائمة لتطوّر توأمهم الجسدي و إما هي كیانات إفتراضیة بحتة بحیث یمكن رؤیتها و التفاعل معها بأدوات خاصة و واجهات حسیة ( Wearable Technology ) أو دماغیة ( Brain Interface ) . العالم السیبراني في حالة الإدراك و التطور بحیث یمكن رؤیة آثار ذلك و تفوق خیالنا في السنوات القادمة. عالم سیكون فیه نوع التفاعل و النمو و حتی نوع التفكیر و الفهم البشري مختلفاً و ستكون الأجیال المتعلمة في هذا العالم مختلفة عن شعوب العصور الماضیة و یتغیر أیضاً معنی الحكومة و الوطنیة. تأتي هذه المقالة القصیرة رداً علی سؤال حول كیف یجب أن تكون القیادة و الحوكمة في البلاد في طلیعة هذا العالم السیبراني الذي یصنع الإنسان؟ الكاتب یشیر بإختصار إلی ثلاث نقاط.
الأول، خلق صورة معیاریة للمستقبل بحیث یعتمد علی التقنیات المتقدمة و قیم المجتمع.«الثورة الصناعیة الرابعة ( Industry 4.0 ) » التي أعلنها رئیس المنتدی الإقتصادي العالمي أو الثورة الصناعیة الخامسة ( Industry 5.0 ) المقترحة حدیثاً مثالاً علی هذا التصور. بعبارة أخری إن الثورة الصناعیة الرابعة ( الخامسة) هي قرائة أوروبا و الحضارة الغربیة من تطور المجتمعات البشریة و التي تبدأ بصورة من الثورات الصناعیة الثلاث السابقة و یصف الصورة المستقبلیة الممزوجة بتقنیات الإتصال و معالجة إنترنت الأشیاء و الذكاء الإصطناعي و غیرها من التقنیات التحویلیة. في الحقیقة فإنّ هذا الرسم هو صورة معیاریة للمستقبل المنشود للدول الأوروبیة و الغربیة و التي ترتكز علی نظرتها للعالم و تعكس قیمها الأساسیة. و مثل هذه الصورة صممتها الیابان تحت عنوان العصر الخامس ( Society 5.0 ) و هي تصف نظرة الیابان الحضاریة إلی الماضي و رسم المستقبل علی أساس الأعراف و القضایا و القیم الأساسیة الخاصة لهذا البلد. تسعی مثل هذه الصور إلی التعبئة العالمیة للمرافق و الأموال من أجل صنع صورتها الخاصة في البلدان الأخری. بحیث تصبح هذه الصور آمال الدول الأخری و تكون أیضاً محور الأبحاث و المقالات و المؤتمرات. و السؤال المطروح هنا هو أن ما هي خطة إیران الإسلامیة التنشیطیة و المتحركة في بناء المستقبل، و ما هو مزیج التقنیات التي ستخلقها، و ما هي طرق الحل لقضایا الحاضر و المستقبل و ما علاقتها بالحضارة الإسلامیة الحدیثة؟ ما یفترض أن یفعله النموذج الإسلامي الإیراني للتقدم، لكنه حتی الآن لم یحقق النجاح اللازم سواء في التصمیم أو الخطط المتعددة السنوات أو المیزانیة السنویة.
الثاني، هو فهم و رسم نموذج الحوكمة. و قد أضیفت الحوكمة بمختلف المعاني و الألفاظ. ما یمكن استنتاجه من كلمة الحوكمة هو مفهوم التوجیه و الرقابة. و لكن السؤال الأساسي هو، ما هو الهدایة و السیطرة لتحقیقه؟ تكمن الإجابة في الجزء الأول من المناقشة، أي أن الحوكمة هي إدراك الصورة التي من المفترض أن یشكلها المجتمع التكنولوجي المثالي ذو القیمة. في مفهوم الحوكمة یكمن تعبئة كل الإمكانیات و تركیز جزء منها لتحقیق المهمة المحددة سلفاً. بالطبع، من الواضح جداً أنّ رسم الهدف، و ذلك أیضاً في عالم معقّد للغایة و غیر مؤكد، یتمّ إكماله و صقله أثناء الحركة.
یمكن إدراج العدید من المیزات للحوكمة. الحوكمة موجهة نحو الهدف و الغایة و یتمّ تشكیله لغرض و هدف و تحقیق شیء ما. الحوكمة لها شأن التوجیه و هي توفر آلیات لتوجیه الموارد لتحقیق الأهداف. تحتاج الحوكمة و التوجیه إلی رقابة و تقییم مستمرین لتحدید و تصحیح الإنحرافات عن المسار و كما تحتاج الحوكمة إلی آلیة لتقییم الإجراءات و تحدید أولویاتها لتحقیق الأهداف علی النحو الأمثل. إن الحوكمة تحتاج إلی أسس متینة و دقیقة و شرح للمبادئ و القیم الأساسیة. و أیضاً تتطلب الحوكمة تقارب الإجراءات و مواءمتها لتحقیق أقصی قدر من التآزر و الإنسجام. إنّ السمة و المیزة الأساسیة للحوكمة في هذا العصر هي أن تطغی علیه البیانات و تدفق التحلیل و البحث. إنّ الحوكمة بدون بیانات فعالة و ذات صلة هي في الواقع أداة عمیاء و لا ملامح لها.
و من ناحية أخرى، يمكن اعتبار الحوكمة مشابهة لمقولات التشكيكية. أي أنه إذا تمّت مناقشة حوكمة البيانات و الحوكمة المالية و حوكمة الأبحاث و أي حوكمة إضافية، فيجب أن تكون هناك مظاهر متعددة لمفهوم الحوكمة في مجالات مختلفة، بحیث تروي مَظهرًا لحقيقة واحدة. إنّ الارتباك و التّنافر و التّناقض في تفسير الحوكمة الإضافية يؤدي إلى اختيار أساليب حوكمة غير منسقة و سيؤدي إلى نتائج متضاربة في القيمة و نمط الحياة. و يتشكل التوافق في مظاهر الحوكمة مع التصور و التخطيط المستقبلي، ففي هذه الحالة على سبيل المثال، ستؤدي حوكمة المياه و الحوكمة المالية إلى تحقيق أمر واحد و التلاحم الحضاري، و أسلوب الحوكمة هو الذي يحدّد أسلوب و مستوى التعاون بين القطاع الحكومي و القطاعين العام و الخاص.
و الثالث هو إعادة بناء الهياكل اللازمة للحوكمة و إدارة المجتمع. و مع السيطرة العميقة و الواسعة للسيبرانية على مجتمعنا و وجود القطاع الخاص من ناحية و الأتمتة الذكية للأنظمة إلى انتشار الذكاء الاصطناعي علی نطاق واسع في صنع القرار و اتخاذ القرار من ناحية أخرى، فإنّه سيتم تحويل الهياكل التقلیدیة البيروقراطية لإدارة البلاد. تتمتع تقنية بلوك تشین (Blockchain) ، في مفهوم دفتر حسابات الموزَّع، بالقدرة على تسجيل أي حدث و الحفاظ عليه مرتكزاً على ثقة الجمهور. المصانع الذّكية و سلسلة التوريد و القيمة هي المسؤولة عن إدارة احتياجات الناس. و الآن، من أجل تحقيق أقصى استفادة من تغلغل التقنيات و التّحول الرقمي، هناك حاجة إلى إعادة رسم النظم الإدارية للدولة. أن يتمّ إعادة تشكيل الدولة بمفهومها العام دون الاهتمام بالمصالح المؤسسية و علی أساس الفكر الإسلامي الإيراني. على سبيل المثال، يجب استبدال منظمة بها عدد كبير من الموظفين بنظام أو عدة خدمات ذكية، أو يجب دمج عدة وزارات لخلق ظروف أكثر كفاءة و فعالية تعتمد على الذكاء الاصطناعي و الذكاء الكائني لتقديم الخدمات للناس. الحاجة الأساسية للغد و المستقبل قريبة علی مجتمعنا. الخطوة الأولى هي تصميم الدولة لظروف مرغوبة و مثالية و قيمية من أجل تحقيق المجتمع الإسلامي على أساس التقنيات الحديثة و العقلانية الدينية دون النظر إلى المنافع و المضار و إزالة الهياكل و المنظمات غير الضرورية. و في الخطوة الثانية، و وفقاً للظروف المؤسسية، ينبغي التخطيط لعملية الهجرة من الوضع الحالي إلى الوضع المنشود.
الحوكمة السيبرانية هي قراءة المؤلف للحوكمة في عالمٍ مليءٍ بالتقنيات السيبرانية و الناشئة التي ستكون ضرورية لتحقيق مجتمع مثالي و متحضر. إن القرار الاستراتيجي و الأساسي للدولة في بناء الهياكل و العلاقات القائمة على التحول التكنولوجي، القائم على المعرفة و التي تعكس في الوقت نفسه قيم و أخلاق المجتمع الإسلامي الإيراني ، هو ضرورة هذه الفترة الانتقالية.