العلاقة بين الحكم الشرعي ومصلحة المجتمع

و جاء في الآية 255 من سورة البقرة أنه “لا إکراه في الدين…” أي لا إجبار في الدين… و هي الآية التي يستخدمها غير الخبراء هذه الأيام لرفض الارتباط و العلاقة بين الحجاب و العفة مبنية على اقتباس غير صحيح لبعض التعاليم الدينية، و نتيجة لذلك يعتبرون الحجاب غير ضروري من وجهة نظر الشريعة. الأقوال الشائعة التي تدعي أن العفة يمكن تعلمها بدون الحجاب و أنه لا ينبغي فرض الحجاب على الناس.

 

بحسب تقرير العلاقات العامة لمجمع العلمي العالي للثقافة و الفكر الإسلامي، في مقابلة من وکالة أنباء قدس أنلاین مع حجة الإسلام و المسلمين محمد علي أسدي نسب، مدير قسم الدراسات القرآنية بمعهد أبحاث الحكمة و معهد أبحاث الدين، هناك شرح لهذه الآية الكريمة و جواب لهذا السؤال: هل “لا إكراه في الدين” تعني أن لنا حق لأن نفعل أيّ شیء ؟

 

ليس من الضروري قبول الدين

أشار حجة الإسلام أسدي نسب في البدایة إلى جزء من آية الكرسي و قال : ” لا إکراه في الدين” تنصح المسلمين بعدم إجبار غير المسلمين على قبول دين الإسلام، و تؤكد على حرية و اختيار الإنسان في قبول الدين. و هذه الجملة تعني أنه لا إلزام في قبول الدين، و لا يمكن إجبار أحد على قبول الإسلام، لأن الدين عبارة عن الإيمان بالله و رسوله و الوحي و القیامة. فالإيمان أمر القلب و أمر القلب لم یکن بالإجبار.

 

و يقول: حقيقة ” لا إكراه في الدين ” هي عدم الإجبار في الدين و المعتقد. لأن الدين و الاعتقاد و إیمان القلب المرتبط بالحقائق متعلق بالنشأة و البعث، و هو المصدر و الدافع إلى العمل، و اعتقاد القلب لا یمکن إجباره .  فلا يمكن إجبار أحد على الإيمان و الإعتقاد بالتوحيد أو النبوة أو المعاد، و على محبة الله و محبة عباد الله الصالحين، و بغض الشيطان و أعداء الله. القلب خارج عن تحت سيطرة الإنسان. لا يمكن إجبار شخص ما على الإيمان أو الحب. بالإضافة إلى ذلك، إن الله سبحانه و تعالی أو أنبيائه  قاموا بهذا العمل بالولایة التکوینیة ، فلا یعد قیمة . إنما الإيمان الذي اكتسبه الإنسان بإرادته الحرة يُعتبر قيمة.

يقول مدير قسم الدراسات القرآنية بمعهد أبحاث الحكمة و أبحاث الدين: إذا أنا صليت اليوم و غداً لا أصلي، أو إذا فعلت اليوم أشياء غير لائقة و لکن أحبها و غداً أتجنب كل شيء غير لائق؛ فإن هذا النوع من السلوك لا یکون عملاً بمضمون الآية “لا أكراه في الدين”. و من ناحية أخرى، فإن بعض الخطايا هي خطايا اجتماعية. الذنوب التي يقولها الإسلام أو الحكومة الدينية بسبب الفساد الاجتماعي ومصلحة المسلمين إنما هي أوامر و نواهي معينة ، و علينا جميعا طاعتها. على سبيل المثال، قوانين المرور مفيدة لجميع المجتمعات. و لا يمكن للإنسان أن لا يقبل القواعد و القوانین بسبب رغبته الشخصية و يمشي في الشارع حسب رغبته.

 

الحجاب مسألة فردية أم سلوك اجتماعي؟

و صرّح حجة الإسلام أسدي نسب: بأن الحجاب واجب من وجهين. أحدهما من الجانب الديني الذي يعتبره جميع علماء الإسلام واجبا و الآخر من الجانب القانوني للبلاد. و حتى لو قبلنا أنه لا يوجد سبب من الناحية الدينية لإجبار الحكومة على النساء  لارتداء الحجاب، فليس لدينا أي دلیل علی وجوب القيام بذلك. إن الحجاب و حكمه الفقهي حقيقة فردية لها آثار اجتماعية لا يمكن إنكارها. و لهذا السبب، ونظراً للأضرار الاجتماعية الناجمة عنه، يمكن للحكومة إلزام أفراد المجتمع بالالتزام بالملابس الشرعية المرغوبة كحكم ثانوي.

إنه أشار إلی قول بعض الناس بأنه لماذا تجبر الحكومة الناس على ارتداء الحجاب و أنه لا دلیل علی إجبار الحکومة علی ارتداء الحجاب و الحجاب مثل الغيبة، التي لا تعاقب الحكومة أي شخص بسبب الغيبة. و للرد على هؤلاء، ينبغي أن نقول: إن عدم ارتداء الحجاب ليس مثل الغيبة، و عدم مراعاة ذلك هو خطيئة اجتماعية. عندما يكون للخطيئة جانب اجتماعي، في هذه الحالة يجب على الحكومة إزالة أسباب الخطيئة و مخالفة المعايير الاجتماعية من المجتمع الإسلامي عن طريق تمرير القوانين.

 

و يذكر مدير قسم البحوث القرآنية في معهد الحكمة و البحوث الدينية: أن سماحة قائد الثورة قال في هذا السياق إن “عدم الحجاب خطيئة اجتماعية و إذا تطورت تضعف عقيدة الناس”. فإذا اعتبرنا الحجاب مقولة فردية و مسئلة شخصیة، و كل إنسان يستطيع أن يخرج من البيت كما يريد، فإن المجتمع سيصبح مجتمعاً فاسداً. بالنسبة للخطيئة الاجتماعية، إذا رأت الحكومة ذلك مناسبا، فيمكنها أن تضع قانونا كما تراه مناسبا، و على الجميع اتباع هذا القانون. القانون الذي وضع للالتزام بالحجاب و الملابس الإسلامية وفقا للقيم الدينية و المحلية للبلاد و یجب اتباعه. و حتى لو قبلناه، فهو ليس سببا لإجبار الحجاب، و لكنه ليس أيضا سببا لعدم فرض الحجاب. و لا يوجد سبب يمنع الحكومة من تمرير القانون. و يمكن للحكومة إذا رأت ذلك مناسباً أن تصدر قانوناً في هذا الشأن، کما تم إقرار و تنفيذ العديد من القوانين في المجلس الإسلامي. لقد أعطى الإسلام السلطة للحكومة الإسلامية، و يقوم الفقيه و السلطات الثلاث التي تعمل تحت إشراف السید القائد بإعلان القوانين حسب تقديرها و على الجميع اتباعها.

و أكّد حجة الإسلام أسدي نسب في النهاية: أن آية ” لا إكراه في الدين” لها وجهان:  المبنائي و الاجتماعي، الذي يكون رأي بعض الناس سطحيًا وشائعًا و يساء فهمه. تنص هذه الآية على أن الإيمان ليس بالإكراه، بل هو مسألة اعتقادیة و قلبیة، و في هذه الطريقة يكون الإنسان حراً و مخیراً. واجب الحكومة الدينية هو تنفيذ الأوامر الدينية. بعض أحكام الدين هي أمور شخصية كالصلاة و الصيام، و بعضها يتعلق بالمجتمع. و الحجاب من القضايا الاجتماعية و لا يمكن اعتباره فرداً، لذا يجب على الحكومة الدينية التدخل في هذه الشؤون الاجتماعية.