هل الطلاق خطيئة أخلاقية من وجهة نظر القرآن؟
و بحسب تقریر إدارة العلاقات العامة و الإعلام بالمجمع العلمي العالي للثقافة و الفكر الإسلامي، أقيم الكرسي العلمي الترويجي بهذا العنوان “مقارنة تطبیقیة بين جعل الطلاق في الإسلام و العالم الحديث” يوم الأحد 23 فبراير من قبل مجموعة الأخلاق التابعة لمعهد بحوث النظم الإسلامي التابع للمعهد شخصيًا و افتراضيًا.
في هذا الكرسي العلمي الترويجي، كان حجة الإسلام و المسلمين محمد رضا جباران حاضرا كمقدم، و حجج الإسلام و المسلمین فرج الله هدايت نيا و أمير غنوي حاضرين كنقاد.
و ألقى حجة الإسلام و المسلمين محمد رضا جباران، عضو اللجنة العلمية في قسم الأخلاقيات في معهد البحوث، كلمة في هذا اللقاء، ستقرؤونها في التالي؛
كان الموضوع الذي يهمني هو أن الطلاق بين الزوجين في مجتمع اليوم أصبح قيمة ويعرف بأنه أسلوب خاص للحیاة يمكن اختياره، يمكن للناس أن يختاروه مثل أي طريقة أخرى، و لكن في الماضي، كان الطلاق في هذا النموذج لم یكن شائعاً و هذا ليس فقط في ثقافتنا بل في أي مكان في العالم. كان للطلاق قيمة عملية للتغلب على صعوبات الحياة، أما اليوم فقد أصبح الطلاق بمثابة قيمة اجتماعية و أسلوب للحياة. و السبب في ذلك هو، أولاً و قبل كل شيء، تغيير العلاقات و كذلك تغيير المواقف الإنسانية تجاه مختلف القضايا.
زيادة نسبة الطلاق في المجتمع
و في مجال القيم، قلل المجتمع من اعتماده على الدين و المعتقدات و الروحانيات، و أصبحت العلاقات الجماعية أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي، و يتجه المجتمع نحو العلمانية و المادية و الفردية. إن القيم و الأعراف الأخلاقية تتغير، و اليوم، بدلاً من التضحية و الصبر و التسامح و النظرة المثالية للمستقبل، يسعى الإنسان إلى إشباع رغبته، و الحصول على مصالحه الخاصة. انخفض مستوی الاعتماد الاقتصادي بين أفراد الأسرة، و بشكل خاص انخفض اعتماد المرأة الاقتصادي على الرجل، و كسب المال ليس عمل الرجل فقط، بل المرأة إذا لم تكن متساوية في هذا العمل، فعلى الأقل تتعاون في هذا العمل .
و قد تم تفويض العديد من وظائف الأسرة إلى مؤسسات أخرى مثل وزارة التربیة و التعليم. و تحت تأثير الحداثة، اختفت أيضًا ضرورة الحياة الأسرية. و نتيجة لكل هذه التطورات أصبح الطلاق أسلوبا للحياة، و نتيجة لذلك أصبح اختيار الطلاق أسرع بكثير مما كان عليه في الماضي. و من ناحية أخرى فإن الطلاق من الناحية القانونية هو إیقاع يختاره شخص واحد و يؤدي إلى فسخ الزواج، أما من الناحية الاجتماعية فإن الطلاق ليس مجرد فعل فردي، بل إنه يؤثر على الإنسان و أولاده و زوجته و حتى المجتمع. و لهذا السبب أصبح الطلاق مشكلة في العالم اليوم.
الآثار الاجتماعية للطلاق
عندما ينظر المجتمع البشري إلى ظاهرة تسببت في مشكلة ما، فإن هذه النظرة تشير إلى أن هذه الظاهرة لا ينبغي أن تحدث على الإطلاق أو يجب تغيير نموذج حدوثها. و على هذا فإذا قبلنا وجهة نظر المجتمع الإنساني بوجوب الاعتراف بالطلاق كمشكلة، فإما أن مبدأ الطلاق مستحيل أو لا ينبغي أن يحدث بالطریقة الحالية، مما يعني وجوب منع الطلاق مطلقا أو محدود. إن التجربة التي لدينا من المجتمعات البشرية و خاصة المجتمع المسيحي الكاثوليكي تبين لنا أن منع الطلاق أدى إلى تجارب مريرة مثل انفصال الناس عن الدين، لأنه في كثير من الأحيان لم يكن للأشخاص المطلقين حق في حضور المراسیم الموجودة في كنيسة.
لقد أظهرت هذه التجربة أن الطلاق لا يمكن إيقافه، و لذلك بقي أمامنا طريق واحد غیر ذلك الطریق و هو الحد من الطلاق. و قد قدم القرآن الكريم طرق الحل المناسبة لحل هذه المشكلة. و من حيث العلوم الاجتماعية فإن الطلاق له تعريف مختلف عن المصطلح القانوني، و يقال إن الطلاق هو أسلوب مؤسسي تحت إشراف المنظمات الاجتماعية لإنهاء الرابطة الزوجية. و لذلك تؤخذ في الطلاق سمتان، إحداهما مؤسسية، و الأخرى تحت إشراف المنظمات الاجتماعية. بالإضافة إلى إنهاء الحياة المشتركة، فإن الطلاق له آثار على المجتمع.
حالة الطلاق في العالم الحديث
لا تختلف الحياة الأسرية في العالم الحديث أخلاقياً عن حياة العزوبية، أي أن الشخص حر في أن يختار العزوبة أم الزواج، و لا يمكن مدح أو لوم أي منهما. و يقول علماء الاجتماع إن الإنسان في الفكر الحديث يصبح مطلقا و لا يقبل شيئا من الشؤون التقليدية، و لذلك تشكلت أشكال مختلفة من الزواج في الحضارة الحديثة و العالم المعاصر، و كلها تسعى إلى إيجاد وضع رسمي و قانوني و اجتماعي مبرر، و منها طلاق المثليين. هذه النظرة إلى الأسرة، التي أصبحت دانیة القيمة من وجهة نظر الإنسان المعاصر، جعلت من الزواج لم يُعَد عهدا مقدسا، بل اختيارا فرديا و حرا يقوم على الحب الرومانسي.
إن أغلب الناس يمنحون الزوجين الحق في اختيار الطلاق، و السلطات التي كانت تحاول منع الطلاق اليوم ترافق الزوجين حتى يصلا إلى الهدف، و بالتالي فإن المجتمع الحديث يعاني من مثل هذه المشاكل، و لكن في الفكر الإسلامي الذي يقوم على القرآن الكريم، إن الطلاق، ليس أسلوباً للحياة بل هو استراتيجية طوارئ لفك عقد الحياة العمياء. و إذا اختار شخص ما الطلاق، على الرغم من أنه لم یكن فیه بأس من الناحية القانونية، إلا أنه خطيئة أخلاقيا. و قد غرس القرآن الكريم هذا الرأي في نفوس أهله بما فيه الكفاية، سواء من الناحية النظرية أو التشريع.
وفقا للقرآن، أصل الزواج له أصل إلهي. لقد اعتبر القرآن الكريم المجتمع البشري في حاجة إلى الزواج. تقودنا هذه المسائل إلى النقطة النظرية التي مفادها أن الطلاق بدون ضرورة ما دامت الحياة الأسرية مستمرة و عاملة هو على الأقل خطيئة أخلاقية، وقانونيا يصعب حصول الطلاق كما أن الله تعالى يسر الزواج.
الطلاق المبرر من وجهة نظر القرآن الكريم
كما ألقى حجة الإسلام و المسلمين فرج الله هدايت نيا، عضو اللجنة العلمية بقسم الفقه و القانون بالمجمع العلمي العالي للثقافة و الفكر الإسلامي كلمة كناقد في هذا اللقاء، يمكنكم قراءتها في التالي:
إن مصطلح الدراسة المقارنة موجود في كل من القانون و الفقه. و هنا يجب أن يكون طرفا المقارنة من سنخ واحد ، مثلاً يتم دراسة نظامين قانونيّین أو أخلاقيّین، أو مثلاً مقارنة الطلاق في القرآن مع الطلاق في التوراة و الإنجيل. لكن إذا قارنا الطلاق كمجعول في القرآن، و هو مجموعة مقننة للنظام القانوني الإسلامي، مع ما هو موجود في العالم الحديث فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، يصبح الأمر صعبا إلى حد ما، و الإجابة واضحة قبل هذا ، لأن بين الحجاب أو الربا في القرآن مع وجود اختلافات كثيرة في الوضع الحالي للمجتمع، لذلك يجب أن يكون طرفا المقارنة من سنخ واحد.
و من ناحية أخرى، ليس بكلام جديد أن نقول إن القرآن يقبل الطلاق بشكل استثنائي، و لكنه الآن أصبح منتشرا في المجتمع، فكان من الأفضل یجعل عنوان اللقاء هو طرق حل القرآن للمواجهة مع الطلاق. نقطة أخرى هي أن البيانات و المعلومات الواردة في المقالة رائعة، و لكنها يجب أن تؤدي أيضًا إلى المعرفة و تقديم نظرية جديدة. و مسألة أخرى هي أن مصطلح التجريم قد ورد في الطلاق، و هو ما لا أظنه صحيحا، لأن الطلاق ضرر اجتماعي كالفقر و البطالة، و هو ليس حراما أيضا، فإذا كان المقصود بالإجرام فهو الطلاق الحرام كالطلاق في الدورة الشهرية، فيجب أن يفسر على أنه تجريم، و هذا غير صحيح.
لقد قدم القرآن طرق حلٍ كثيرة لمنع الطلاق، و لكن عندما تؤدي العلاقة الزوجية إلى ضرر، فإن الطلاق یكون مبررا، و حيثما يكون هناك خوف من عدم إقامة الحدود الإلهية، فمن المستحسن القيام بذلك في الأساس. و لذلك تجدر الإشارة إلى أن الله قد قبل الطلاق كحل.