الولایه عنصر خالد فی فکر الشیعه السیاسی

 

مقال من حجه الإسلام والمسلمین السید کاظم سید باقری، رئیس قسم السیاسه فی المجمع العلمی العالی للثقافه و الفکر

تعنی «الولایه» بفتح «الواو» المحبه وبکسر «الواو» الإماره والقیاده والتولیه والسلطان، کما یقال أنّ کلا من الکلمتین یعنی «الحکومه»، و«الولی» هو من له نصره ومعونه.

هذا وقد ورد فی کتب المعاجم اللغویه أنّ «الوالی» والذی هو من أسماء الله سبحانه بمعنى مالک جمیع الأشیاء، حیث یمکنه التصرف فیها. یقول ابن الأثیر أن «الولایه» تدلّ وتشیر إلى التخطیط والقوه والتنفیذ ولا یطلق على أحد اسم «الوالی» إلا إذا اجتمعت الصفات الثلاث فیه. وقد اعتبرت «الوصایه» و«القیاده» فی المعنى السیاسی الاجتماعی لهذا المفهوم، کما قد استخدم فی القرآن الکریم، وعلیه هناک شکل من القوه فی معنى الولایه، وتتجلّى هذه القوه فی المجتمع والسیاسه وقیاده المجتمع.

قد کانت الولایه من الأسس الثابه والرصینه فی فکر الشیعه السیاسی دائما، حیث قد کانت بؤره الاهتمام فی النصوص الأساسیه لهذا الفکر مثل القرآن والأحادیث وفی کلام کبار الشیعه طوال التاریخ. تعتبر ماده «ولی» التی قد اشتقت منها کلمات ومفردات مختلفه مثل «الولاء» و«الولایه» و«المولى» و«الأولى» من أکثر الکلمات القرآنیه استخداما. تمّ ذکر هذه الکلمه فی القرآن ۱۲۴ مره کالاسم و۱۱۲ مره کالفعل والمعنى الرئیسی لهذه الکلمه هو أن یکون الشیء بجانب شیء آخر بحیث لا یوجد بینهما فاصل.

عندما ندرس نطاق الفکر السیاسی الشیعی، نفهم أنّ «الولایه»  و«اتّباع الولایه» یلعبان الدور دائما فی أسس هذه الفکره وحتى قد ینبثق طلب العداله وطلب الحریه من هذا المفهوم.

قد وجدت العداله فی فکر الشیعه، غیر أنّ الالتفات إلى هذا الموضوع الأساسی قد جعل العداله والثوره والانتفاضه ضد الظالم والخلفاء الجائرین مفاهیم منبثقه من الولایه، حیث تقوم الولایه على مکافحه الاستبداد والتنمّر والعمل المتعسّف، کما تسعى وراء تنظیم شؤون المجتمع باتباع قانون الله. نظرا إلى هذا العنصر الثابت نصل إلى أصل أساسی آخر وهو الحریه، وهذا بما أنّه تتجلّى الحریه والالتزام بالقانون فی «الولی» خاصه إذا کان معصوما، فهما وجهان لعمله واحده، لأنّ القانون، خاصه إذا حظی بأصل إلهی موثوق وشامل، یزیل قیود الاستبداد من أقدام الإنسان من ناحیه ویجلب الحریه للمجتمع من ناحیه أخرى.

طبقا لهذه النقطه لم یکن الفکر والفقه السیاسی للشیعه بالنسبه إلى الولایه کأمر لتنفیذ القوه وتلبیه الأهواء النفسانیه، بل قد کانت سببا وأصلا لیتمّ تنفیذ العداله بین الناس من قبل الأنبیاء والرسل الإلهیین (ص) والأولیاء والأئمه (ع) وخلفائهم على الأرض، وإنّ أکثر الناس الذین یمکن الوثوق بهم لتحقیق هذا الهدف الکبیر، هم الذین لا یتعرّضون للأخطاء العادلون وعلماء الدین.

تمّ جعل الولایه للنبی الأکرم (ص) والأئمه الأطهار (ع) الذین هم أعلم الناس وأوثقهم فی تلقّی الوحی وتنفیذه، وهذا إثر علاقتهم مع المصدر المضیء، الوحی والأوامر السماویه، کما أکدّت الآیه فی سوره المائده على هذا الموضوع: «إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاهَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاهَ وَهُمْ رَاکِعُونَ».

نظرا لهذه المکانه یقول الله سبحانه فی آیه أخرى: «وَمَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَهٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ» لا یحقّ لأحد الاختیار بعدما قضى الله والنبی (ص) بالنسبه إلى موضوع، لأنّ ولایه المجتمع ووصایته وحرکته نحو الهدف النهائی على عاتقهم، فهم قاده بلا أخطاء والاستبداد.

على أیه حال، بعد الرجوع إلى تاریخ الفقه السیاسی الشیعی ندرک بأن عنصر الولایه قد کان من أهمّ المبادئ الثابته دائما، ما أدّى إلى اقتراب الفقهاء من السیاسه ونقد السلطات غیر المرغوب فیها وإرشاد الناس والمحاوله والمثابره لتنفیذ أحکام الدین والذی هو نقطه انطلاق ومعیار ثابت للمضی تجاه العداله  ونقد الاستبداد وإثاره قضیه الحریه والالتزام بالقانون.

بالإضافه إلى ذلک، تمنع الولایه وظهور تواجد العدل والعلم والحکمه فی «الولی»، من الاستبداد، فهی آلیه وسبب مهم لتوفیر مصالح الناس والمجتمع الدینی، وقد کانت محوریه هذا العنصر إلى حد کلّما أثاره فقهاء الشیعه بشکل جادّ وقاموا بتطبیقه تحوّل إلى سبب لتحدّی القوات الظالمه وغیر الشرعیه ومواجهتها للمشاکل الکبرى.