المهام الهامة لجمعية الفلسفة الإسلامية

من المهمات المهمة لجمعية الفلسفة الإسلامية وضع خطة لتطبيق الفلسفة الإسلامية وإدارتها
مقال لحجة الإسلام والمسلمين، محمد عرب صالحي، رئيس معهد الحكمة والدراسات الدينية وعضو الهيئة التأسيسية لجمعية الفلسفة الإسلامية.
هناك عدة اختلافات جوهرية بين الفلسفة الإسلامية المعاصرة والفلسفة الغربية المعاصرة، نذكر بعضها؛ أولاً، إن الفلسفة الإسلامية، رغم التطورات والتقدم الذي شهدته عبر تاريخها، لم تنقطع أبداً عن خلفيتها الغنية. إن فلسفة الإشراق هي استمرار للحكمة المشّائيّة، والحكمة المتعالية هي استمرار للحكمة المشّائيّة. إن الإشراق والحكمة المشّائيّة، والحكمة الصدرائية الجديدة هي استمرار للحكمة المتعالية.
وهذا لا يعني عدم وجود اختلافات جوهرية بين هذه العصور، لأن الحكمة المتعالية تقوم على أصالة الوجود وهي فلسفة وجودية تتكلم عن الحقيقة، بينما الحكمة المشّائيّة تقوم على أصالة الماهية وتتحدث عن الماهية ، وفي نفس الوقت الموضوع في جميعها هو الوجود بما هو وجود ولها قواسم مشتركة في كثير من موضوعات اللاهوت بالمعنى العام واللاهوت بالمعنى الخاص؛
لكن الفلسفة الغربية المعاصرة انقطعت تمامًا عن خلفيتها الغنية وتغيرت طبيعتها، ومنذ كانط فصاعدًا، أصبحت الفلسفة الغربية نظرية المعرفة بدلاً من معرفة الوجود. أي أن موضوع الفلسفة تغير تماما، وتقريبا كل التراث الفلسفي للغرب توقف في موضوع الأنطولوجيا في الفلسفة المعاصرة ولم يبق منه شیء.
والفرق الثاني هو أن ظاهرة النهضة، تليها الحداثة، جلبت مصيبة أخرى على الفلسفة الغربية، وهي الانفصال التام لكل الفلسفة الغربية المعاصرة عن المصادر والمعارف الوحيانية.
. وفقًا لمبادئ الحداثة الثابتة، فإن الإنجيل ليس صالحًا أبدًا كمصدر للمعرفة، ولا تكون عبارات الإنجيل كحد أوسط في الاستدلال أبدًا؛ ولن تجد حالة واحدة تأثرت فيها الفلسفة الغربية المعاصرة بالمصادر الوحيانية، أو شقت قضية أو قضايا من الإنجيل طريقها إلى الفلسفة الغربية المعاصرة؛ هذا على الرغم من أن الفلسفة المسيحية قبل ذلك كانت لها موضوعية تجاه الفلسفة اليونانية، بل إن جيلسون ألف كتابًا عن التأثير الكبير للمسيحية في الفلسفة. كما فقدت الفلسفة الغربية المعاصرة خلفيتها الوحيانية ،في حين أن الفلسفة الإسلامية ازدادت تماسكها الإسلامي يوما بعد يوم وزاد اختلافها مع الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى، وتأثرت بالمصادر الوحيانية أكثر فأكثر، وابتعدت كثيرا عن الفلسفة اليونانية في اتجاه التقدم.
والفرق الثالث هو أن الفلسفة الغربية المعاصرة، منذ هيغل فصاعدا، أصبحت تقريبا فلسفة تقريرية؛ أي أنه بعده أصبحت الحجج والحجج العقلانية أقل استخدامًا لإثبات الادعاء؛ أي أنه فقد أهم ما يميز الفلسفة، وهي عقلانيتها؛ فهو يؤكد شيئًا ما، ويعطي الأدلة عليه، ويعطي أمثلة ملموسة، ويعطي التحليل. أراد الجمهور قبوله أم لا.
لكن هذا لا يعني أنه لا يبذل أي جهد لإقناع الجمهور؛ بل يستخدمون في هذا الاتجاه أساليب حتى لا يحتاج الجمهور إلى حجج عقلانية، فهو يحيل الجمهور إلى الشارع والقضايا الموضوعية الملموسة التي تعصف بعقله وحياته، بحيث يصدر حكماً عاماً بعد الاطلاع على هذه المجموعة من القضايا؛ حتى أنهم في الغرب قاموا بإنشاء دورات متخصصة تحت عنوان تعميم العلوم لتعليم مهارة تحويل القضايا العلمية الغامضة إلى نصوص شعبية ووضع المحتوى الذي يريدونه بسهولة في أذهان جمهورهم وإن انتشار الإلحاد الجديد والترويج له هو أحد هذه الأمور.
لكن الفلسفة الإسلامية لم تتخل عن الحجج الفلسفية العميقة والدقيقة؛ لكنه لم يستخدم سوى القليل جدًا من الطريقة الثانية لنقل محتواه العميق، وقد حدت هذه المشكلة من نطاق الفلسفة الإسلامية.
وأخيرًا، الفرق الرابع هو أن الفلسفة الغربية المعاصرة مصممة لتكون عملية للغاية وتركز على القضايا الموضوعية للحياة الإنسانية الحديثة. إن أي تغيير جوهري في الأسس الفكرية لدی المفكرين الغربيين يظهر فوراً أثره في نص علومهم وشؤون حياتهم؛
على سبيل المثال، عندما يقوم الفيلسوف بالتنظير لأسس نسبية الفهم، يظهر تأثيره على الفور في العلوم الثانوية، كما تصبح العلوم الأخرى نسبية معرفية، وبعد ذلك تصبح التعددية الدينية والتعددية الثقافية والسلوكية هي المهيمنة مع مرور الوقت في حیاة الشخص الفردية و الاجتماعية. وبهذا السبب نلاحظ أن الانفصال عن التراث العلمي والوحياني في الفلسفة الغربية قد تسبب في انفصال نمط الحياة الغربي عن خلفيته، وتتعارض ثقافتهم وقيمهم ومعتقداتهم مع خلفيتهم الثقافية والدينية لديهم أنفسهم، وتتفق مع فلسفة الغرب المعاصرة، وبموجب التغيرات تتغير الأسس الفلسفية، وهذا مخالف للفلسفة الإسلامية التي رغم المزايا المذكورة أعلاه ،لكنها تبقى في مرحلة الرأي ولا تجد امتدادا اجتماعيا وإن كان له قدرات واضحة وخفية على ذلك، لذلك فإن للفلسفة في العالم الإسلامي، وخاصة في المذهب الشيعي، مكانة خاصة؛ لكننا نرى بوضوح أنه في بعض الأحيان يكون الامتداد الاجتماعي للفلسفة الغربية هو الذي يحكم.
وبالإشارة إلى ما سبق، نقدم بعض الاقتراحات التي تتماشى مع عمل جمعية الفلسفة الإسلامية لمعالجة الخلل الأخير الذي تعاني منه الفلسفة الإسلامية :
- ينبغي وضع خطة استراتيجية لاستخدام الفلسفة أو إنتاج الفلسفة العملية على بشکل تطبيقي، كما هو الحال في علم اللاهوت، فقد كانوا يبحثون منذ زمن طويل عن إنشاء علم الکلام التطبيقي.
- إعداد خطة توجيهية للتعامل مع الفلسفات المضافة وتطبيقها في الحوزات العلمية في جميع أنحاء البلاد.
- الخطة الاستراتيجية لإنتاج أساسيات العلوم الإنسانية الإسلامية، وشرطها الأساسي هو التمكن من الفلسفة والأسس الفلسفية والقانونية الإسلامية؛ ولذلك فقد رأينا في العقود الأخيرة أن فلسفات بالإضافة إلى بعض العلوم قد تم إنتاجها وكتبها خبراء في العلوم المضافة ، ولكن لأنهم لم يكونوا فلاسفة فقد كان لديهم زلات كثيرة.
- متابعة الخطة المهمة للدراسات الاستدلالية للفلسفة الإسلامية، وهي مرغوبة وضرورية في حد ذاتها، وهي أيضًا إجابة مقنعة وواضحة لمن يعارض ويستمر في معارضة أساس الفلسفة.